الفيزياء هي علم دراسة قوانين الطبيعة و خصائص العالم المادي, و بالفعل لقد أدى علم الفيزياء هذا الدور بنتائج عظيمة, فالنظر إلى تطور المعرفة البشرية عموما و علم الفيزياء خصوصا عبر كل العصور ثم إضافة الاكتشافات العظيمة للعقول البشرية اللامعة في الماضي و الحاضر, مع استشراف قدراتها الكامنة في المستقبل, يجعل المرء يعتقد و بلا شك أن هذا التراكم المعرفي مستمر إلى ما لانهاية [1],
لكن العلم ذاته الذي نثق في وسائله و مناهجه لتفسير قوانين وجودنا يخفي وراء هذه الصورة الملونة من التقدم المتسارع و التكنولوجيا صورة أخرى بالأبيض و الأسود, هذه الصورة تعكس جواب السؤال: هل مصير العلم الانتهاء و التنازل كما أنهى و أنزل الفلسفة و الدين ؟
نعم, هذا السؤال مطروح فالثورة العلمية التي أحدثتها نظرية الكم في القرن العشرين و التي غيرت تماما الصورة الحتمية لعالم ما قبل الكم صدمت العلماء بصورة أعقد من أن يصفها الخيال, فقد قال ريتشارد فينمان – أحد رواد ميكانيكا الكم – : ” يمكنني القول بأمان أن لا أحد يفهم ميكانيكا الكم “, رأي يشاطره فيه مجتمع كبير من العلماء مثل دانييل غرينبيرغر الذي يقول ” ميكانيكا الكم سحر ” و روجر بنروز عند قوله: ” ميكانيكا الكم غير منطقية إطلاقا “. و يمكن تلخيص غرابة ميكانيكا الكم في ثلاثة تجارب مشهورة:
1- تجربة الشقين:
تجربة بسيطة تتمثل في إرسال حزمة ضوئية عبر شقين متوازيين يواجهان شاشة, يمكن من خلال هذه التجربة إظهار أن فوتونا واحدا (الفوتون هو الجسيم الذي يمثل وحدة الضوء) يمكنه التداخل مع نفسه, الشيء الذي اعتبر مستحيلا فيزيائيا من قبل, إذ التداخل يحدث بين موجتين ضوئيتين.
2- تجربة المصباح الضوئي:
تخيل معي السلك داخل المصباح الضوئي يطلق فوتونا واحدا (نفترض) في اتجاه عشوائي. إروين شرودنغر (أحد رواد نظرية الكم) إستخرج معادلة بطول تسعة صفحات التي تتنبأ بصحة باحتمال إيجاد ذلك الفوتون في أي نقطة من الفضاء نختارها. فقد مثل بموجة مثل تلك الصادرة عن سقوط حجر في بركة, هذه الموجة صادرة عن ذلك السلك المشع. و في لحظة محاولة رؤية الفوتون هذه الموجة (الدالة) تختزل إلى نقطة واحدة تمثل مكان الفوتون.
3-قط شرودنغر:
في هذه التجربة تخيل معي قطا ضعه داخل صندوق مع قارورة من السيانيد (سم) ثم نضعه بحث يكون لدينا جهاز يحدد اتجاه دوران إلكترون ما (سبين) هل هو إلى الأعلى أم إلى الأسفل. إذا كان إلى الأعلى فإن قارورة السم تفتح. بعد عشر
دقائق نفتح الصندوق لنرى حالة القط هل هو ميت أم حي. السؤال هو: في أي حالة هو عليها القط بين لحظة تشغيل الجهاز و فتح الصندوق. في الحقيقة لم يقم أحد بهذه التجربة بعد لكنها تظهر تناقضا بالنسبة لبعض تفسيرات نظرية الكم.
إن التفكير بهذه التجارب ( تفكير حقا ينهك العقل) يجعلك تفكر في إحدى النقاط التالية:
1- إن الوعي الشخصي يؤثر في سلوك الجسيمات ما تحت الذرية.
2- الجسيمات تتحرك عبر الزمن إلى الأمام و إلى الخلف.
3- إن الكون ينقسم كل وحدة وقت بلانك (تساوي 10 E-43 ثانية) إلى ملايين من الأكوان المتوازية.
4- أن الكون متصل بتنقلات للمعلومات تفوق سرعة الضوء.
هذا النقاط تمثل جوهر التفسيرات الحالية المختلفة لنظرية الكم, و لا تقل الواحدة غرابة عن الأخرى.
نضيف إلى ذلك ما أثبته كرت غودل في برهانه على عدم كمال و تناسق أي نسق رياضي, البرهان الذي ضرب في عمق التفكير العلمي, إذ وضع الشك في أداته الأولى الرياضيات. ملخص هذه النظرية هو:[5]ا
ا1- إذا كان نظام ما متناسق فيستحيل إثبات أنه كامل.
ا2- أن تناسق أكسيومات (مسلمات) نظام ما يستحيل إثباته داخل ذلك النظام.
هتان النقطتان تجعلان الثقة في الكمال الرياضي و الصحة الرياضة المطلقة أمران يتجادل حولهما, و هذا له كل الإنعكاس على الإيمان بالرياضيات كلغة يمكنها وصف العالم و قوانينه.
و في سنة 1989 نشر العالم الإنجليزي روجر بنروز كتابا بعنوان ” عقل الإمبراطور الجديد”[2] تحدث فيه عن التحديات الكبرى التي تواجه نظرية الكم في محاولتها لتفسير العالم و قوانينه, و المثير للاهتمام في كتابه أنه أظهر ذلك الارتباط القوي و الخفي بين مجالات المعرفة, و كيف أنها – المعرفة- كلٌّ واحد, و البحث عن نظرية كل شيئ لن يتم إن تجاهلنا أي مجال معرفي, حتى الميتافيزيقي, فمفاهيم مثل ‘الوعي’ و ‘التفكير’ ظهر ارتباطها المباشر مع نظرية الكم من حيث تأثير الوعي و التجربة الشخصية على خصائص العالم الحسي, و آخر دراسات علم الأعصاب تشير إلى أن الظواهر الفيزيائية التي تحدث ما يسمى بالوعي في عقولنا تخضع لظواهر كمية أي أنها تخضع لنفس الغرابة و الغموض اللتان تغطيان ميكانيكا الكم. ففي مقال في مجلة أمريكا العلمية لعام 2002 بعنوان “كيف يصنع الدماغ العقل”[3] أظهر فيه أنتونيو ر.داماسيو كيف أن ظواهر كمية تحكم عمل ما يسمى بالقنوات الميكروسكوبية التي تدخل في أداء العقل لوظائفه.
و كذلك فالنظر إلى مؤلفات لكبار العلماء و أخصائيي المجال [4] تظهر أن خلاصة نتائج نظريات كمية مثل النظرية الخيطية و النظرية ‘أم’ و كذلك النموذج القياسي لفيزياء الجزيئات, تفيد بأن العالم المادي الذي نختبره هو كما قال نيلز بور ” مكون من أشياء لا يمكن وصفها على أنها حقيقية”. و هذه نقطة جوهرية فإن كانت خلاصة علم الفيزياء هي أن العالم في أصله غير مادي أو كما يفيد مبدأ إختزال الموجة أن العالم غير موضوعي و أن التجربة الشخصية هي التي تحدد واقعية العالم, فكيف يمكن للعلم القائم على أساس الموضوعية و دراسة المادة أن يواجه هذا التناقض الجوهري بين منهجه و واقع الطبيعة.
ف ” إذا كانت ميكانيكا الكم صحيحة فهذا يعني نهاية الفيزياء كعلم”[5] و أن الفيزياء لن تعدو أن تكون قضية إيمان و لن تختلف عن أي معتقدات دينية أو فلسفية في النهاية[6], هذه حقيقة تؤرق مجتمع العلماء حقا.
وكرد فعل على هذه النتائج يقول روجر بنروز , أنه لنستطيع فهم أنفسنا و العالم نحتاج للبدء في البحث عن أدوات جديدة للعلم تستطيع وصف الظاهرة الكمية و تعطينا الثقة في نتائجها.[7]ا
إن الدافع الأول الذي يحرك الروح الإنسانية باتجاه العلم و البحث فيه هو ذلك الفضول الفطري فينا, و تلك الرغبة لإضافة المزيد للمعرفة الإنسانية, و هذا ما ينتج الإبداع و الثورات العلمية الواحدة تلو الأخرى, و من المؤكد أن العلم سينتهي و يتوقف تماما إن توقفنا عن ممارسته, و الاستمرار في طريقه يبقي دائما أمل تجاوز الحدود الحالية و إيجاد أفكار و مجالات جديدة تغذي هذا الفضول, لذلك فرغم أن العلم و الفيزياء بالشكل الحالي تبدو محدوديتهما في إجابة أسئلتنا الجوهرية, فإن ذلك ليس مدعاة للتوقف أو إنهاء الطريق, بل هو مدعاة لفتح الآفاق و إعادة النظر في مفهوم العلم و علاقته بمجالات الحياة الإنسانية الأخرى كالدين و الفلسفة.
أي بمعنى علينا إعادة النظر في مفهوم الحقيقة و كيفية البحث عنها.
و كما قال الغزالي “ويجب علي كل من لا يقف علي كنه هذه المعاني وحقيقتها ولم يعرف تأويلها والمعني المراد به أن يقر بالعجز ، فان التصديق واجب وهو عن دركه عاجز فان ادعي المعرفة فقد كذب.”[8]
لكن العلم ذاته الذي نثق في وسائله و مناهجه لتفسير قوانين وجودنا يخفي وراء هذه الصورة الملونة من التقدم المتسارع و التكنولوجيا صورة أخرى بالأبيض و الأسود, هذه الصورة تعكس جواب السؤال: هل مصير العلم الانتهاء و التنازل كما أنهى و أنزل الفلسفة و الدين ؟
نعم, هذا السؤال مطروح فالثورة العلمية التي أحدثتها نظرية الكم في القرن العشرين و التي غيرت تماما الصورة الحتمية لعالم ما قبل الكم صدمت العلماء بصورة أعقد من أن يصفها الخيال, فقد قال ريتشارد فينمان – أحد رواد ميكانيكا الكم – : ” يمكنني القول بأمان أن لا أحد يفهم ميكانيكا الكم “, رأي يشاطره فيه مجتمع كبير من العلماء مثل دانييل غرينبيرغر الذي يقول ” ميكانيكا الكم سحر ” و روجر بنروز عند قوله: ” ميكانيكا الكم غير منطقية إطلاقا “. و يمكن تلخيص غرابة ميكانيكا الكم في ثلاثة تجارب مشهورة:
1- تجربة الشقين:
تجربة بسيطة تتمثل في إرسال حزمة ضوئية عبر شقين متوازيين يواجهان شاشة, يمكن من خلال هذه التجربة إظهار أن فوتونا واحدا (الفوتون هو الجسيم الذي يمثل وحدة الضوء) يمكنه التداخل مع نفسه, الشيء الذي اعتبر مستحيلا فيزيائيا من قبل, إذ التداخل يحدث بين موجتين ضوئيتين.
2- تجربة المصباح الضوئي:
تخيل معي السلك داخل المصباح الضوئي يطلق فوتونا واحدا (نفترض) في اتجاه عشوائي. إروين شرودنغر (أحد رواد نظرية الكم) إستخرج معادلة بطول تسعة صفحات التي تتنبأ بصحة باحتمال إيجاد ذلك الفوتون في أي نقطة من الفضاء نختارها. فقد مثل بموجة مثل تلك الصادرة عن سقوط حجر في بركة, هذه الموجة صادرة عن ذلك السلك المشع. و في لحظة محاولة رؤية الفوتون هذه الموجة (الدالة) تختزل إلى نقطة واحدة تمثل مكان الفوتون.
3-قط شرودنغر:
في هذه التجربة تخيل معي قطا ضعه داخل صندوق مع قارورة من السيانيد (سم) ثم نضعه بحث يكون لدينا جهاز يحدد اتجاه دوران إلكترون ما (سبين) هل هو إلى الأعلى أم إلى الأسفل. إذا كان إلى الأعلى فإن قارورة السم تفتح. بعد عشر
دقائق نفتح الصندوق لنرى حالة القط هل هو ميت أم حي. السؤال هو: في أي حالة هو عليها القط بين لحظة تشغيل الجهاز و فتح الصندوق. في الحقيقة لم يقم أحد بهذه التجربة بعد لكنها تظهر تناقضا بالنسبة لبعض تفسيرات نظرية الكم.
إن التفكير بهذه التجارب ( تفكير حقا ينهك العقل) يجعلك تفكر في إحدى النقاط التالية:
1- إن الوعي الشخصي يؤثر في سلوك الجسيمات ما تحت الذرية.
2- الجسيمات تتحرك عبر الزمن إلى الأمام و إلى الخلف.
3- إن الكون ينقسم كل وحدة وقت بلانك (تساوي 10 E-43 ثانية) إلى ملايين من الأكوان المتوازية.
4- أن الكون متصل بتنقلات للمعلومات تفوق سرعة الضوء.
هذا النقاط تمثل جوهر التفسيرات الحالية المختلفة لنظرية الكم, و لا تقل الواحدة غرابة عن الأخرى.
نضيف إلى ذلك ما أثبته كرت غودل في برهانه على عدم كمال و تناسق أي نسق رياضي, البرهان الذي ضرب في عمق التفكير العلمي, إذ وضع الشك في أداته الأولى الرياضيات. ملخص هذه النظرية هو:[5]ا
ا1- إذا كان نظام ما متناسق فيستحيل إثبات أنه كامل.
ا2- أن تناسق أكسيومات (مسلمات) نظام ما يستحيل إثباته داخل ذلك النظام.
هتان النقطتان تجعلان الثقة في الكمال الرياضي و الصحة الرياضة المطلقة أمران يتجادل حولهما, و هذا له كل الإنعكاس على الإيمان بالرياضيات كلغة يمكنها وصف العالم و قوانينه.
و في سنة 1989 نشر العالم الإنجليزي روجر بنروز كتابا بعنوان ” عقل الإمبراطور الجديد”[2] تحدث فيه عن التحديات الكبرى التي تواجه نظرية الكم في محاولتها لتفسير العالم و قوانينه, و المثير للاهتمام في كتابه أنه أظهر ذلك الارتباط القوي و الخفي بين مجالات المعرفة, و كيف أنها – المعرفة- كلٌّ واحد, و البحث عن نظرية كل شيئ لن يتم إن تجاهلنا أي مجال معرفي, حتى الميتافيزيقي, فمفاهيم مثل ‘الوعي’ و ‘التفكير’ ظهر ارتباطها المباشر مع نظرية الكم من حيث تأثير الوعي و التجربة الشخصية على خصائص العالم الحسي, و آخر دراسات علم الأعصاب تشير إلى أن الظواهر الفيزيائية التي تحدث ما يسمى بالوعي في عقولنا تخضع لظواهر كمية أي أنها تخضع لنفس الغرابة و الغموض اللتان تغطيان ميكانيكا الكم. ففي مقال في مجلة أمريكا العلمية لعام 2002 بعنوان “كيف يصنع الدماغ العقل”[3] أظهر فيه أنتونيو ر.داماسيو كيف أن ظواهر كمية تحكم عمل ما يسمى بالقنوات الميكروسكوبية التي تدخل في أداء العقل لوظائفه.
و كذلك فالنظر إلى مؤلفات لكبار العلماء و أخصائيي المجال [4] تظهر أن خلاصة نتائج نظريات كمية مثل النظرية الخيطية و النظرية ‘أم’ و كذلك النموذج القياسي لفيزياء الجزيئات, تفيد بأن العالم المادي الذي نختبره هو كما قال نيلز بور ” مكون من أشياء لا يمكن وصفها على أنها حقيقية”. و هذه نقطة جوهرية فإن كانت خلاصة علم الفيزياء هي أن العالم في أصله غير مادي أو كما يفيد مبدأ إختزال الموجة أن العالم غير موضوعي و أن التجربة الشخصية هي التي تحدد واقعية العالم, فكيف يمكن للعلم القائم على أساس الموضوعية و دراسة المادة أن يواجه هذا التناقض الجوهري بين منهجه و واقع الطبيعة.
ف ” إذا كانت ميكانيكا الكم صحيحة فهذا يعني نهاية الفيزياء كعلم”[5] و أن الفيزياء لن تعدو أن تكون قضية إيمان و لن تختلف عن أي معتقدات دينية أو فلسفية في النهاية[6], هذه حقيقة تؤرق مجتمع العلماء حقا.
وكرد فعل على هذه النتائج يقول روجر بنروز , أنه لنستطيع فهم أنفسنا و العالم نحتاج للبدء في البحث عن أدوات جديدة للعلم تستطيع وصف الظاهرة الكمية و تعطينا الثقة في نتائجها.[7]ا
إن الدافع الأول الذي يحرك الروح الإنسانية باتجاه العلم و البحث فيه هو ذلك الفضول الفطري فينا, و تلك الرغبة لإضافة المزيد للمعرفة الإنسانية, و هذا ما ينتج الإبداع و الثورات العلمية الواحدة تلو الأخرى, و من المؤكد أن العلم سينتهي و يتوقف تماما إن توقفنا عن ممارسته, و الاستمرار في طريقه يبقي دائما أمل تجاوز الحدود الحالية و إيجاد أفكار و مجالات جديدة تغذي هذا الفضول, لذلك فرغم أن العلم و الفيزياء بالشكل الحالي تبدو محدوديتهما في إجابة أسئلتنا الجوهرية, فإن ذلك ليس مدعاة للتوقف أو إنهاء الطريق, بل هو مدعاة لفتح الآفاق و إعادة النظر في مفهوم العلم و علاقته بمجالات الحياة الإنسانية الأخرى كالدين و الفلسفة.
أي بمعنى علينا إعادة النظر في مفهوم الحقيقة و كيفية البحث عنها.
و كما قال الغزالي “ويجب علي كل من لا يقف علي كنه هذه المعاني وحقيقتها ولم يعرف تأويلها والمعني المراد به أن يقر بالعجز ، فان التصديق واجب وهو عن دركه عاجز فان ادعي المعرفة فقد كذب.”[8]