عصر النفاثات
عكف المهندسون خلال الأربعينيات من القرن العشرين على تحسين المحركات النفاثة، التي أنتجت خلال الحرب العالمية الثانية وكانت تتصف بالبدائية. وظهر احتياج القوات الجوية الأمريكية لهذه المحركات النفاثة لزيادة قدرة قاذفاتها ومقاتلاتها، وزيادة سرعتها. وعند بداية الحرب الكورية (1950-1953م) كانت هناك بالفعل طائرات نفاثة ذات فعالية مرتفعة. وحدث أن التقت طائرتان شهيرتان في معركة فوق كوريا، والطائرتان هما: ف ـ86 سابر التابعة للقوات الجوية الأمريكية، و الميج ـ 15 السوفييتية (سابقًا).
وفي بريطانيا، أنتج مهندسوها أول طائرة نفاثة عملاقة تعمل في خدمة الخطوط الجوية التجارية. هي الطائرة دي هافيلاند كوميت وبدأت في خدمة الركاب عام 1952م، وسرعتها نحو 800كم/ساعة، ودرجة اهتزازها والضوضاء الصادرة عنها محدودة. وفي حادثتين متتاليتين انفجرت طائرتا كوميت أثناء الطيران وقتل جميع الركاب. وصدرت في الحال أوامر الحكومة البريطانية بوقف جميع طائرات الكوميت لفحصها. وتبين بعد الفحص، أن الخطأ يكمن في هيكل الطائرة. فقد كان الضغط داخل القُمْرة يتم ضبطه لضمان سلامة الركاب وراحتهم. فلما وصلت الطائرة إلى ارتفاعات شاهقة، حيث الهواء الجوي منخفض الضغط، تسبب الضغط المرتفع داخل القمرة في إضعاف الغلاف المعدني للطائرة. وانهار المعدن، وتحطمت الطائرة في الجو. وبعد الكارثة، تم تطوير الهيكل، ليصير أكثر متانة. وقد تم ذلك لجميع طرازات الطائرات بما فيها الكوميت الجديدة.
وفي نفس الفترة، أنتجت بريطانيا أيضًا، الطائرة فيكرز فيسكونت وهي طائرة نقل تدفع مراوحها آلياً بوساطة محرك نفاث. وبدأت هذه الطائرة التربومروحية في حمل الركاب عام 1953م.
وفي عام 1955م، أنتجت فرنسا الطائرة النفاثة ثنائية المحرك: الكارافيل بينما أنتج الاتحاد السوفييتي (السابق) أولى طائراته النفاثة ثنائية المحرك توبولوف تي. يو 104. كانت الشركات الأمريكية تعمل أيضًا على تصميم طائرات خطوط جوية تجارية نفاثة. ففي عام 1958م، بدأت الطائرة النفاثة بوينج 707، ذات المحركات الأربعة، خدمات السفر بين الولايات المتحدة وأوروبا. وحتى عام 1960م، عملت في خدمة نقل الركاب طائرتان نفاثتان أمريكيتان أخريان، هما: الطائرة ماكدونل دوجلاس دي.سي ـ 8، والطائرة كونفير 880. وكانت هناك خطط جاهزة على لوحات الرسم لطائرات أضخم. وكانت أولى هذه الطائرات العملاقة، الطائرة لوكهيد س ـ 5 أ جلاكسي للنقل العسكري، التي بدأت الخدمة في القوات الجوية الأمريكية عام 1969م. أما الطائرة الجامبو النفاثة التجارية أو الطائرة بوينج 747، فقد بدأت الخدمة عام 1970م حاملة نحو 500 راكب.
استشعرت الشركات الأوروبية لصناعة الطائرات، عدم قدرتها على منافسة الشركات الأمريكية العملاقة ـ مثل شركة بوينج ـ ما لم تعمل معًا. ونجح أول مشروع أوروبي مشترك لإنتاج سلسلة طائرات خدمة الخطوط الجوية طراز إيرباص أ ـ 300 وذلك طوال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.
الطائرات فوق الصوتية.:
وهي طائرات تستطيع الطيران بسرعات تزيد على سرعة الصوت. وسرعة الصوت عند سطح البحر تساوي 1,225كم/ساعة، تقل عن ذلك كلما زاد الارتفاع. فعلى سبيل المثال، عند ارتفاع قدره 12,000م، تكون سرعة الصوت 1,060كم/ساعة.
ولم تملك أيٌّ من الطائرات الأولى من القدرة أو المتانة ما تستطيع به تجاوز سرعة الصوت. إلا أن القليل منها حاول الاقتراب من هذه السرعة، حيث لوحظ حينئذ أن الهواء أمام الطائرة لم يعد يفسح لها طريقًا، وبدأ يزأر محدثًا موجة صدمية مصحوبة باهتزاز عال مع صعوبة في قيادة الطائرة. وأصيب الطيارون بالخوف من ذلك الحاجز الصوتي الذي يصعب اجتيازه عند الرقم ماخ واحد صحيح ـ أي عندما تساوي سرعة الطائرة سرعة الصوت تمامًا
وفي عام 1947م، قامت الطائرة الصاروخية الأمريكية بيل إكس ـ1 بإجراء أول طيران فوق صوتي في التاريخ، وقاد الطائرة تشارلز ييجر العقيد طيار بالقوات الجوية الأمريكية. وفي عام 1962م، حلقت الطائرة الصاروخية الأمريكية إكس ـ 15 على ارتفاع قدره 95,936م، أي أكثر من 80كم فوق سطح الأرض، مما أهّل الطيار الرائد روبرت م. وايت التابع للقوات الجوية الأمريكية للقب رائد فضاء. وفيما بعد، تمكنت الطائرة إكس ـ 15 من الطيران بسرعات تزيد على ماخ 5ـ أي خمسة أضعاف سرعة الصوت ـ وتسمى السرعات التي تصل إلى ماخ 5 أو تزيد عليها، السرعات الفرط صوتية.
وفي عام 1953م، أصبحت الطائرة المقاتلة النفاثة ف ـ 100 سوبر سابر التابعة لأمريكا الشمالية، أول طائرة نفاثة تطير بانتظام عند سرعات فوق صوتية. أما أول طائرة قاذفة فوق صوتية، فكانت الطائرة كونفير ب ـ 58 هوستلر التابعة للقوات الجوية الأمريكية. وبدأت أول طيران لها عام 1956م.
وكانت كل الطائرات النفاثة فوق الصوتية، عسكرية في بداية الأمر إلى أن قام طيارو الاختبار الروس، عام 1968م، بالطيران في أول طائرة نقل فوق صوتية، وهي الطائرة توبولوف تي.يو ـ 144. واشتركت بريطانيا وفرنسا في صنع طائرة نقل فوق صوتية هي الطائرة كونكورد، التي قامت بأول رحلة اختبار جوي لها عام 1969م.
وبدأ الاتحاد السوفييتي (سابقًا) في استخدام الطائرة توبولوف تي. يو ـ 144 في خدمات الشحن الجوي في ديسمبر عام 1975م، وفي خدمات نقل الركاب في عام 1977م. إلا أنه أعلن في عام 1983م، عن سحب الطائرة من الخدمة. أما بريطانيا وفرنسا فقد بدأتا في استخدام الطائرة كونكورد في خدمات نقل الركاب في يناير عام 1976م.
وفي الولايات المتحدة، بدأت شركة بوينج بالفعل في العمل من أجل إنتاج طائرة نقل فوق صوتية. إلا أن الشركة اضطرت لإلغاء المشروع عام 1971م، بعد أن رفض مجلس النواب الأمريكي الموافقة على اعتمادات حكومية إضافية لتمويل المشروع العالي التكلفة.
وعلى الرغم من النصر التقني، والشعبية الجارفة التي تمتعت بها الكونكورد فإنها لم تتمكن من تحقيق أرباح فورية. وتسبب ارتفاع الضوضاء الصادرة عن محركاتها، وكذلك الموجات الصوتية والصدمية التي تتولد عند تجاوزها سرعة الصوت، في اشتداد محاربة حماة البيئة لها، وخصوصًا في الولايات المتحدة. وأصبحت القيود الموضوعة على استخدام الطيران فوق الصوتي فوق الأراضي المأهولة عائقًا دون استخدام الطائرة على الخطوط الجوية كافة. وتم إنتاج 16 طائرة كونكورد فقط لحساب كل من شركة الخطوط الجوية البريطانية، وشركة الخطوط الجوية الفرنسية، اللتين استخدمتا هذه الطائرات في خطوطها عبر شمالي الأطلسي.
وظلت التكلفة التشغيلية للطائرات الأسرع من الصوت، كالكونكورد، باهظة، فهي تحمل نحو من 100 راكب وتستهلك كميات كبيرة من الوقود، وتسبب محركاتها ضوضاء هائلة. وفي سبيل تصنيع طائرات أكبر سرعة وأقل ضجيجًا وأكثر أماناً، عكف مهندسو الطيران على إجراء الأبحاث اللازمة التي تمكنهم من تعزيز كفاءة طائراتهم. وربما تستخدم طائرات المستقبل محركات صاروخية تصل بالطائرة إلى سرعة تفوق سرعة الصوت بخمس عشر مرة.
الأرقام القياسية لارتفاعات الطيران
-----------------
الارتفاع بالقدم الارتفاع بالمتر السنة الطيار الدولة
1,637 499 1909 أ. رايت أمريكا
20,079 6,120 1913 ج. لجانيو فرنـسا
33,113 10,093 1920 ر. و. شرويدر أمريكا
41,795 12,739 1929 و. نيونهوفن ألمانيا
43,166 13,157 1930 أ. سوسك أمريكا
49,944 15,223 1936 ر. د سوين بريطانيا
56,046 17,083 1938 م. بيزي بريطانيا
59,445 18,119 1948 ج. كننجهام بريطانيا
63,668 19,406 1953 و.ف. جيب بريطانيا
65,889 20,083 1955 و. ف. جيب بريطانيا
70,308 21,430 1957 م. راندروب بريطانيا
91,243 27,811 1958 هـ. س. جونسون أمريكا
103,389 31,513 1959 ج. ب جوردان أمريكا
113,890 34,714 1961 ج. موسولوف روسيا
246,750 75,209 1962 ج. أ. ووكر أمريكا
314,750 95,936 1962 و. م. وايت أمريكا
354,200* 107,960* 1963 ج. أ. ووكر أمريكا
المصدر: الأرقام القياسية العالمية والأمريكية ـ الجمعية الوطنية للطيران، والإدارة الوطنية للطيران والفضاء.
* لم يتم التأكد من هذا الرقم رسميًا بوساطة الهيئة الدولية للطيران أو الجمعية الوطنية للطيران.
الطائرات الحديثة
تنقسم الطائرات الحديثة إلى خمس مجموعات رئيسية، هي: 1ـ طائرات نقل تجاري 2ـ طائرات خفيفة 3ـ طائرات عسكرية 4ـ طائرات بحرية 5ـ طائرات أغراض خاصة. ويشرح هذا الفصل من المقالة بعض أنواع الطائرات في كل مجموعة وكيفية استخدامها.
طائرات النقل التجاري. طائرات ضخمة تمتلكها شركات الخطوط الجوية، ومعظمها مصمم لحمل الركاب والبضائع. ويطلق عليها أيضًا طائرات السفر الجوي وهناك طائرات نقل تجاري أخرى مصممة لحمل شحنات البضائع فقط.
والكونكورد هي الطائرة التجارية الوحيدة في العالم التي تتخطى سرعة الصوت، وتتسع لأكثر من 120 راكبًا، وتطير بسرعة 2,000كم/ ساعة، لتعبر المحيط الأطلسي في أقل من أربع ساعات.
طائرة ترايستار صنعتها شركة لوكهيد وتتسع لعدد يتراوح بين 256 وبحد أقصى 400 راكب، تبعا للترتيب الداخلي. يقود الطائرة طاقم من ثلاثة ملاحين رئيسيين. وأنتج منها 250 طائرة حتى بداية الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي.
وتتسع معظم طائرات الخطوط الجوية لعدد من الركاب يتراوح ما بين 100 و250 راكبًا. لكن هناك بعض الطائرات التي تحمل أكثر من ذلك كثيرًا. فالطائرة بوينج 747 تتسع لما يقرب من 500 راكب، وفي الطائرة ستة مطابخ لإعداد الطعام، وتزود بأكثر من 178,000 لتر من الوقود.
والطائرات النفاثة رباعية المحركات مثل الطائرة بوينج 747 مصممة لقطع المسافات الطويلة، فهي تستطيع الاستمرار في الطيران دون توقف لمسافة 10,000كم أو أكثر. ويمكنها ذلك من الطيران المباشر من لندن إلى طوكيو، على سبيل المثال. وتطير طائرات الخطوط الجوية النفاثة على ارتفاعات تتراوح بين 9,000 و 13,700م وبذلك تكون فوق معظم العواصف الجوية.
وتستطيع بعض الطائرات ثلاثية المحركات مثل الطائرة لوكهيد ترايستار والطائرة ماكدونل دوجلاس دي. سي ـ10 حمل عدد من الركاب يساوي ما تستطيع حمله معظم الطائرات النفاثة رباعية المحركات إلا أن معظم الطائرات النفاثة ثلاثية المحركات، مصممة لرحلات جوية أقصر. كما أنها تحتاج فقط لممرات إقلاع أقل طولاً. أما الطائرة الروسية ياك ـ 40، وكذلك بعض الطائرات النفاثة ثلاثية المحركات، فتحمل حوالي 40 راكبًا فقط، وتستطيع الإقلاع والهبوط في مهابط صغيرة.
طائرات نفاثة ثنائية المحركات. وهي تتفاوت كثيرًا من حيث الحجم. فتشمل طائرات خطوط جوية تجارية ضخمة ـ مثل الطائرة إيرباص أ ـ 310، المبينة أعلاه. وتتسع الطائرة إيرباص لأكثر من 250 راكبًا.
وتحمل معظم طائرات الخطوط التجارية ثنائية المحركات نحو 100 راكب. وتطير الطائرات المروحية ثنائية المحركات بسرعة تقل عن 600كم/ ساعة، وتقوم في معظم الأحوال بالرحلات الجوية القصيرة. أما الطائرات النفاثة ثنائية المحركات فتستطيع الطيران بسرعة أكبر ولمسافات أبعد. فعلى سبيل المثال، تطير كل من الطائرة الأوروبية إيرباص، والطائرة الأمريكية بوينج 747 مباشرة دون توقف في رحلات جوية يصل طولها إلى 3,000كم أو أكثر. وتستطيع هذه الطائرات حمل عدد من الركاب يساوي ما تحمله معظم الطائرات النفاثة رباعية المحركات.
وكثير من طائرات الخطوط الجوية الكبيرة مصممة بحيث يمكن نزع مقاعدها لإفساح المكان لحمولة كاملة من البضائع. وتزود هذه الطائرات بأبواب إضافية ضخمة، كما أنها قد تزود بآلات شحن وتفريغ مبنية داخل جسم الطائرة.
تشمل الطائرات النفاثة ثنائية المحركات الطائرات الصغيرة والخفيفة ـ مثل الطائرة سسنا ستيشن.التي لا تستطيع حمل أكثر من 9 ركاب.
وتتشابه طائرات الشحن التي تحمل بضائع فقط، مع طائرات الخطوط الجوية إلا أنها دون نوافذ. وتستطيع طائرات الشحن الكبرى، مثل الطائرة لوكهيد س ـ 5 أيه.جلاكسي، وكذلك الطائرة طراز بوينج 747 المجهزة للشحن فقط، حمل 90 طنًا متريًا من البضائع لرحلة طولها يزيد على 6,400كم.





